الشيطان جنى عابد ام ملاك ضل ؟ العالم الخفى
الشيطان وذريته الجزء الثاني
أصل ذريّت الشيطان .مع مرور الوقت، ومع الاهتمام بتخريج تفسيرات مُحكمة صلبة للنص القرآني، بغض النظر عن المعاني الكامنة فيه، ظهرت الحاجة المُلحّة لمناقشة تلك القضايا، ومن هنا نجد أن شمس الدين القرطبي في القرن السابع من الهجرة، قد قام في تفسيره “الجامع لأحكام القرآن” بالردّ على السؤال الذي وجه إلى الشعبي بقوله “إن إبليس قد ادخل فرجَه في فرج نفسه، فباض خمس بيضات، فهذا أصل ذريّت الشيطان أو إن الله تعالى خلق له في فخذه اليمنى ذكراً، وفي اليسرى فرجاً، فهو ينكح هذا بهذا، فيخرج له كل يوم عشر بيضات، يخرج من كل بيضة سبعون شيطاناً وشيطانة…”.
تلك التفسيرات الميثولوجيّة، والتي تقترب كثيراً مع تفسيرات توالد الآلهة بطريقة ذاتيّة في الثقافات السومريّة والأشوريّة والبابليّة القديمة، لجأت إلى الإستعانة ببعض الروايات والأحاديث المتواترة، ومنها على سبيل المثال ما ذكره الإمام النووي في كتابه “المنهاج في شرح صحيح مسلم”، والذي أورد فيه قول الرسول “لا تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها،
من هم أبناء الشيطان ؟؟؟
ليليث التي تحولت إلى السُعلاة والغول من الملاحظ أن الثقافة الإسلامية لم تكتف بالتفسيرات القرآنية فحسب لرسم صورة كاملة عن الشيطان وذريّته، ولكنها أيضاً عوّلت على التفسيرات اليهوديّة التلموديّة، وإن غيّرت بعض الشيء فيها لتتوافق وتتناغم مع خصوصيّتها العقائديّة. بحسب ما يرد في كتاب “الزوهار” اليهودي، فأن ليليث كانت هي الأنثى الأولى التي خُلقت مع آدم، ولكنها لم ترض بسيطرته عليها، فتركته وذهبت إلى الشيطان، فأصبحت معشوقته، واعتادت على أن تنجب منه الأطفال، ولما اشتكى آدم إلى الله، أرسل لها ثلاثة ملائكة لإرجاعها، ولكنها رفضت الرجوع معهم، فقام الملائكة بقتل 100 طفل من أطفالها كلّ يوم، وعزمت هي على الانتقام من البشر.
فكانت تتعرّى أمام الرجال وتغريهم ثم تقوم بقتلهم، كما إنها كانت تأتي للأطفال خلال نومهم فتقتلهم، وساد الاعتقاد بأن الطفل إذا ابتسم في نومه فأنه يكون في تلك اللحظة يتعرّض للأذى من ليليث، فتقوم أمّه بضربه على شفته بأصبع واحدة لطردها، كما كان من الشائع أن تُرسم دائرة حول سرير الطفل، وترسم داخلها نجمة خماسية، ويُكتب بها أسماء الملائكة الثلاثة، واسمي آدم وحواء، وذلك للحماية من شرّ ليليث.
تفاعلت الثقافة الإسلامية مع الأسطورة العبرانيّة القديمة عن ساكنة الجنة الأولى “ليليث”، حيث جرى إسقاط بعض صفاتها على كائن خرافي يُعرف بالسُعلاة أو الغول أو القطرب
تلك الأسطورة العبرانيّة القديمة تمازجت مع الثقافة الإسلاميّة، حيث جرى إسقاط بعض صفات ليليث على كائن خرافي يُعرف بالسُعلاة أو الغول أو القطرب. ورغم اتفاق العديد من العلماء واللغويين والمؤرّخين المسلمين القدامى على وجود تلك الكائنات الثلاث، إلا أن هناك خلطاً وارتباكاً واضحين في التفريق والتمييز بين كل صنف منهم.
شاهد الفيديو التالي لمعرفة المزيد
الاعتقاد السائد في كتب التراث الإسلامي، أن (السُعلاة والغول والقطرب)، كائنات
شريرة، وأنهم من أبناء الشيطان وبناته، وهم بذلك يختلفون عن ليليث التي كانت زوجة الشيطان في الميثولوجيا العبرانية. من المؤكد أن العرب قبل الإسلام قد عرفوا الغول، حيث عدّوه بجانب الرُخّ العنقاء والخلّ الوفي- واحداً من مستحيلات ثلاثة، ندر أن يلاقيهم الإنسان في حياته. في كتابه “عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات”، يصف القزويني الغولَ بقوله “حيوان شاذ مشوّه، لم تحكمه الطبيعة،
وأنه لما خرج مفرداً لم يستأنس وتوحّش، وطلب القفار، وهو يناسب الإنسان والبهيمة وأنه يتراءى لمن يسافر وحده في الليالي وأوقات الخلوات، فيتوهّمون أنه إنسان، فيصدّ المسافر عن الطريق”.
اقوال العلماء عن الشيطان
الجاحظ في كتابه “الحيوان” فيذكر أن العرب في الجاهليّة كانوا يعتقدون بأن الغول تتمثّل في أي صورة تريد، وأنها كانت تظهر في صور النساء الجميلات، إلا أن رجليها كانت على صورة رجلي حمار.
وبحسب ما يذكر المسعودي في كتابه “مروج الذهب ومعادن الجوهر”، إنّ العديد من مشاهير المسلمين قد قابلوا الغول، ومنهم على سبيل المثال عمر بن الخطاب، الذي قابلها خلال إحدى أسفاره إلى الشام، وقام بقتلها بسيفه. من اللافت للنظر، أن هناك تعارضاً واضحاً في النصوص الدينيّة التي تعرّضت لموضوع الغول، فمن جهة نستطيع أن نجد العديد من الأحاديث المنسوبة للرسول .
والتي تذكر أن بعض الغيلان قد سرقت الطعام من المسلمين، وأن المسلمين قد ذهبوا واشتكوا للرسول من ذلك، وقد وردت تلك الأحاديث في مسند أحمد بن حنبل وسنن أبي داوود على سبيل المثال، وفي الوقت ذاته، وعلى الجهة المقابلة، يقول الرسول في صحيح مسلم، بصراحةً: “لا غول”. حاول بعض العلماء تفسير ذلك التعارض الظاهر، فعلى سبيل المثال، يقول الطحاوي في كتابه “مُشكل الآثار” أن الغيلان كانت موجودة إلى عهد الرسول، ثم أهلكها الله، أما النووي في شرحه لصحيح مسلم، فإنه يرى أن كلام الرسول “لا غول”، لا ينفي وجود الغول بالكليّة، ولكنه ينفي القدرات السحريّة التي كان العرب يعتقدون بوجودها فيها، من التلوّن والتشبّه بالصور المختلفة.
من الأمور المهمّة هنا، أن الغول دائماً ما كان يُنظر له على كونه أنثى وليس ذكراً، ويذكر الجاحظ في كتابه الحيوان، قصص بعض الرجال الذين تزوّجوا من الغول وأنجبوا سوية أبناء وبنات، ولعل أشهر تلك القصص، قصّة عمرو بن يربوع الذي تزوّج الغولة، ومكث معها فترة طويلة، ثم فارقته ورجعت إلى أهلها.
من أنواع الشياطين : “زلنبور”، الذي يغوي الناس في الأسواق، و”تبر” الذي يدعو الناس لضرب الوجوه وشقّ الجيوب عند المصائب شاركغرد من المُرجّح أن ارتباط الغولة بالأنثى، مردّه إلى أسطورة ليليث العبرانيّة، ولكن من الغريب أن جميع الثقافات المستمدّة من الثقافة الإسلاميّة والمتفرّعة عنها، قد حرصت هي الأخرى على تأنيث الغولة في أساطيرها الشعبية، فالنداهة في مصر، وأم الصبيان في الجزيرة العربية، وعيشة قنديشة في المغرب، كلها صور أسطوريّة مقتبسة عن الغولة و ليليث ذات الأصل الشيطاني.
على أن أبناء إبليس في الثقافة الإسلاميّة لم تقتصر على النموذج الليليثي، بل ظهرت مجموعة أخرى من النماذج التي تواتر ذكرها في كتب الأحاديث والتفسير، من ذلك الشيطان “خنزب”، الذي ورد في صحيح مسلم أنه يشغل المسلم في صلاته، و الشيطان “هامة بن هيم بن لاقيس بن إبليس”، والذي قابله الرسول في جبال تهامة، بحسب ما يذكر شمس الدين الذهبي في كتابه ”ميزان الاعتدال”٠
بالإضافة إلى “ الولهان” الذي يوسوس في أمر الطهارة والوضوء. وهكذا لم تكتفِ الثقافة الإسلاميّة باستيراد الصورة النمطيّة للشيطان، تلك التي وردت في الثقافتين اليهوديّة والمسيحيّة، بل قامت بإنتاج صورة جديدة مبتكرة، تحتكم لخصائصها الثقافيّة، بقدر ما تتفاعل معالثقافات السابقة عليها